الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
قال: أل حرف تعريف أو اللام فقط... فنمط عرفت قل فيه النمط مذهب الخليل أن حرف التعريف "أل" والهمزة أصلية وهي همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال وكان يعبر عنها "بأل" ولا يقول: الألف واللام وهو اختيار الناظم. ومذهب سيبويه: أن حرف التعريف "أل" أيضًا ولكن الهمزة عنده زائدة معتد بها في الوضع فحرف التعريف عنده ثنائي. هذا ما نقله عنه في التسهيل وشرحه وهو ظاهر كلام سيبويه، ونقل في شرح الكافية عن سيبويه أنه اللام وحدها وتبعه الشارح وهو اختيار المتأخرين. وقوله: "أن حرف تعريف"، يحتمل مذهب الخليل ومذهب سيبويه وقوله: "أو اللام فقط" هو المذهب الثالث وباقي البيت واضح. تنبيهات: الأول: قال في شرح التسهيل: الصحيح عندي قول الخليل لسلامته من وجوه كثيرة "مخالفته" للأصل موجه لعدم "النظائر". أحدها: تصدير زيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف. الثاني: وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن ولا نظير له في ذلك. الثالث: افتتاح بهمزة وصل ولا نظير لذلك،. الرابع: لزم فتح همزة الوصل بلا سبب ولا نظير لذلك. قال: واحترزت باللزوم ونفي السبب من همزة "أيمن" في القسم فإنها تفتح وتكسر وكسرها هو الأصل، وفتحت لئلا ينقل من كسر إلى ضم دون حاجز حصين. الخامس: أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى الساكن ولم يفعل ذلك بلام التعريف إلا على شذوذ, بل يبدأ بالهمزة في المشهور من قراءة ورش. السادس: أنها لو كانت همزة وصل لم تقطع في "قولهم" بالله ولا في قول بعضهم: "أفا" الله لأفعلن. قلت: ووجه سابع، وهو أنها لو كانت همزة وصل "للزم" بقاء همزة الوصل في غير الابتداء مسهلة "ومبدلة" في نحو: "الذكرين", وقد أشار إليه في شرح التسهيل، واستدل بعضهم للخليل بالوقف عليها وإعادتها في قول الراجز: عجل لنا هذا وألحقنا بذا أل... الشحم إنا قد مللناه بجل وبالوقف عليها في نصف البيت: يا خليلي اربعا واستخبرا ال... منزل الدارس عن حي حلال مثل سحق البرد عفي بعدك الـ... ـقطر مغناه وتأويب الشمال وهي أبيات كثيرة اطرد فيها ذلك. وأجاب المنتصر لسيبويه عن أكثر هذه الأوجه، وقد ذكرت ذلك في غير هذا الكتاب، فإن هذا مبني على الاختصار. الثاني: اعلم أن أداة التعريف قسمان: عهدية وجنسية لأن مصحوبها إن عهد "بتقديم" ذكره نحو: "جاءني رجل فأكرمت الرجل" أو بحضور مدلوله حسا كقولك "القرطاس" لمن سدد سهما, أو علما كقوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} فهي عهدية وإلا فهي جنسية. والجنسية إن خلفها كل دون تجوز فهي لشمول الأفراد نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، وإن خلفها بتجوز فهي لشمول الخصائص مبالغة نحو: "أنت الرجل علما", وإن لم يخلفها فهي لبيان الحقيقة نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وهو الذي "يسميه" المتكلمون تعريف الماهية. وكلامه في شرح الكافية يقتضي أنها هي العهدية, وقد جعلها بعضهم قسما برأسه. فإن قلت: ما الفرق بين المعرف بهذه التي للحقيقة نحو "اشتر اللحم" وبين اسم الجنس النكرة نحو "اشتر لحما"؟ قلت: الفرق بينهما كالفرق بين علم الجنس واسم الجنس وقد تقدم. ولما كانت أداة التعريف قد ترد زائدة غير معرفة نبه على ذلك بقوله: "وقد تزاد" ثم إن زيادتها على ضربين: لازمة وغير لازمة. فاللازمة هي ألفاظ محفوظة منها "كاللات" علم صنم "والآن" اسم الزمان الحاضر وهو مضمن معنى حرف التعريف، ولذلك بني. ومنها بعض الموصلات "كالذين ثم اللاتي". وإنما حكم على "أل" في هذه الكلمات بالزيادة لأنها تعرفت بغيرها. أما "اللات" فبالعلمية، وأما "الآن" فبتضمنه معنى حرف التعريف. وأما الموصلات، فلأن تعريفها بالصلات، وإنما حكم عليها بأنها لازمة لأنه لم يعهد حذفها. فإن قلت: قد رد في شرح التسهيل قول من جعل سبب بناء "الآن" تضمن معنى حرف التعريف "والقول بزيادة "أل" فيه مبني على ذلك". قلت: والقول بزيادتها فيه يستلزم أن يكون تعريفه بغيرها ولا يلزمن أن يكون بتضمن معنى حرف التعريف "بل يجوز أن يكون بوجه آخر من وجه التعريف". وقد قال في التسهيل: إن "الآن" بني لتضمن معنى الإشارة. وهو قول الزجاج فهو على هذا معرف بما تعرفت به أسماء الإشارة، وإذا كان تعريفه بذلك "فأل" فيه زائدة، وذهب قوم إلى أن "أل" في الآن لحضور لا زائدة. وذهب قوم إلى أن "أل" في الموصلات "كلها" للتعريف, والصحيح الأول. فإن قلت: قد حكى في التسهيل حذف "أل" من "الذين واللاتي" وذكر في شرحه أن ذلك لغة. قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا يقرأ: "صراط لذين" بتخفيف اللام فكيف جعلها لازمة؟ قلت: كأنه أراد أنها لازمة عند أكثر العرب، وهو صحيح، فجزم هنا بأفصح اللغتين. ثم انتقل إلى غير اللازمة فقال: "ولاضطرار كبنات الأوبر". الزائدة غير اللازمة قسمان: قسم يزاد لمعنى، وقسم يزاد لضرورة. فالأول: "هو الذي" للمح الصفة. والثاني: ضربان: ضرب يزاد مع معرفة، وضرب يزاد مع نكرة لا يقبل التعريف. وقد أشار إلى الضربين، فالأول كقول الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر يعني: بنات أوبر، وهو علم على ضرب من الكمأة رديء. والثاني كقول الشاعر: رأيتك لما أن عرفت وجوهنا... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو أراد: "نفسا" لأنه تمييز، والتمييز واجب التنكير "خلافا للكوفيين". فإن قلت: تمثيله ببنات الأوبر ليس بجيد؛ لأن مذهب "المبرد" أنه نكرة وأل فيه للتعريف. قلت: نص سيبويه على أنه علم جنس، وأفادنا تمثيله به أنه موافق لسيبويه، ثم انتقل إلى القسم الأول وهو الذي يزاد لمعنى. فقال: وبعض الأعلام عليه دخلا... للمح ما قد كان عنه نقلا إنما قال "بعض الأعلام" لأن منها ما لا يدخل عليه للمح كالمنقول من قبل نحو "يزيد" إلا في الضرورة، وظاهر قوله: "للمح ما قد كان عنه نقلا" أنها تدخل للمح الأصل لا للمح الوصف، وهو ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه، ويؤيده أنه مثل بالمنقول من صفة "كحارث", ومن مصدر "كفضل", ومن اسم عين "كنعمان" وهو من أسماء الدم. كالفضل والحارث والنعمان وقول الشارح، وقد يكون "في" المنقول من مصدر أو اسم عين؛ لأن المصادر وأسماء الأعيان قد تجري مجرى الصفات في الوصف بها على التأويل فيقتضي أن اللمح للوصف. وهذا هو المشهور في عباراتهم. تنبيه: اعلم أن في تمثيله "بالنعمان" نظر. لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة، وإذ كانت للمح لم تكن لازمة. وقوله: فذكر ذا وحذفه سيان. يعني: أن "أل" في ذلك ليست للتعريف فحذفها لا يخل به فذكر "أل" وحذفه في ذلك سيان. فإن قلت: كيف "قال" سيان والوجهان مرتبان على مقصدين, إن قصد "لمح الصفة" جيء بأل، وإن لم يقصد استديم تجريده. قلت: أما كونهما "مرتبين" على مقصدين فصحيح، وهو مفهوم "مرضي" من قوله: "دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا". وقوله: "سيان" يعني من جهة التعريف كما قررته. ثم قال: وقد يصير علما بالغلبه... مضاف أو مصحوب أل كالعقبه يعني: أن من المعرف بالإضافة أو الأداة ما يغلب على بعض ما له معناه فيصير علما بالغلبة خلافا لمن ذهب إلى أنه ليس بعلم, بل أجرى مجراه. ومثال المضاف "ابن عمر، "وابن الزبير، وابن عمرو" وابن عباس" في العبادلة رضي الله عنهم. ومثال مصحوب أل "العقبة والبيت والمدينة والكتاب" في عقبة أيلة والبيت الحرام وطيبة ومصنف سيبويه. ثم قال: وحذف أل ذي إن تناد أو تضف... أوجب.............................. "ذي" إشارة إلى التي صحبت ما صار علما بالغلبة. ومثال حذفها في النداء قولهم: في الصعق، يا صعق. ومثال حذفها في الإضافة قولهم في الأعشى "أعشى قيس". ولا يحذف في غير النداء والإضافة إلا قليلا كقولهم "هذا يوم اثنين مباركا فيه". ومجيء الحال منه في الفصيح يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في الاثنين وسائر الأيام التعريف، فإذا زالت صارت نكرات. وأشار إلى حذفها في ذلك بقوله: ..... وفي غيرهما قد تنحذف مبتدأ زيد وعاذر خبر... إن قلت زيد من اعتذر المبتدأ هو الاسم المجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لما يستغنى به. فالاسم: جنس يشمل الصريح "نحو: زيد عاذر" والموؤل "نحو {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} " والمجرد من العوامل اللفظية: مخرج لاسم كان ونحوه، وغير الزائدة، مدخل لنحو "بحسبك زيد" و" {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} "فإن حسبك مبتدأ والباء فيه زائدة وكذلك "إله"" مبتدأ ومن زائدة. وذكر في شرح الكافية: أن "حسبك" في هذا المثال ونحوه خبر مقدم لا مبتدأ لأنه لا يتعرف بالإضافة وإنما يكون مبتدأ إذا كان بعده نكرة نحو: "بحسبك درهم"،. "ومخبرا أو وصفا". مخرج لأسماء الأفعال، "رافعا لما يستغنى به": يشمل الفاعل نحو: "أ" قائم الزيدان "ونائبه نحو: "أمضروب العمران" ويخرج به نحو: "أ" قائم، من قولك: "أقائم أبوه زيد" فإن مرفوعه غير مستغنى به. وقد اتضح بذلك أن المبتدأ قسمان: أحدهما ذو خبر، والثاني: مسند إلى مرفوع يغني عن الخبر, وقد أشار "إلى الأول" بقوله: "مبتدأ زيد وعاذر خبر" البيت. وإلى الثاني بقوله: وأول مبتدأ والثاني... فاعل أغنى في أسار ذان فزيد في المثال الأول اسم مجرد من العوامل اللفظية مخبر عنه "بعاذر" و"أسار" في المثال الثاني اسم مجرد من العوامل اللفظية وهو وصف رافع "لما" يستغنى به. فقد فهم من المثالين حد المبتدأ. ثم قال: "وقس" أي: قس على هذين المثالين وهما "زيد عاذر وأسار ذان" أو قس على الثاني في كونه بعد استفهام. ثم قال: وكاستفهام النفي. يعني: أن النفي مسوغ لاستعمال الوصف المذكور كالاستفهام نحو: "ما قائم الزيدان" وأطلق الاستفهام ليتناول جميع أدواته كهل "ومن وما" "فهو أولى من قول ابن الحاجب أو ألف الاستفهام"،. وأطلق "في" النفي ليتناول كل ناف يصلح لمباشرة الاسم حرفا وهو "ما ولا وإن" واسما وهو "غير قائم الزيدان" فغير مبتدأ مضاف إلى الوصف، والزيدان فاعل يغني عن خبره. "وعلى ذلك قول الشاعر: غير مأسوف على زمن... ينقضي بالهم والحزن وفعلا نحو "ليس قائم الزيدان" إلا أن الوصف بعد ليس يرتفع على أنه اسمها والفاعل يغني عن خبرها، وكذلك "ما" الحجازية. وقوله: وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد إشار إلى جواز الابتداء بالوصف المذكور مجردا من النفي والاستفهام وهو قليل. ونقل المصنف عن سيبويه جوازه على قبح وعن الأخفش أنه يرى ذلك حسنا. ونقل غيره أن مذهب البصريين غير الأخفش المنع. واعلم أن الوصف المذكور إنما يتعين جعله مبتدأ، وما بعده فاعلا سد مسد الخبر إذا كان مفردا وما بعده مثنى أو مجموعا. أما إذا طابق ما بعده فله ثلاثة أحوال أشار إليها بقوله: والثان مبتدا وذا الوصف خبر... إن في سوى الإفراد طبقا استقر فأحد الأحوال: أن يتطابقا في التثنية نحو "أقائمان الزيدان". والثاني: أن يتطابقا في الجمع نحو "أقائمون الزيدون". وإعراب هاتين الصورتين واحد، وهو أن الوصف خبر وقدم والثاني مبتدأ مؤخر ولا يجوز أن يكون الوصف فيهما مبتدأ وما بعده فاعلا لتحمله الضمير إلا على لغة "أكلوني البراغيث". والثالث: أن يتطابقا في الإفراد نحو: "أقائم زيد" فيجوز فيه الوجهان. فإن جعل الوصف مبتدأ وما بعده فاعل لم يكن فيه ضمير. وإن جعل خبرا مقدما وما بعده مبتدأ كان فيه ضمير. ثم أشار إلى رافع المبتدأ بقوله: ورفعوا مبتدأ بالابتدا... كذاك رفع خبر بالمبتدا ما ذكر هو "أحد المذاهب السبعة وهو" الصحيح ومذهب سيبويه. والابتداء هو كون الاسم مجردا من العوامل اللفظية مخبرا عنه "أو" مسندا هو إلى "ما يغني" عن الخبر. ثم شرع في تعريف الخبر فقال: والخبر الجزء المتم الفائدة والخبر يشمل المبتدأ والخبر، والمتم الفائدة: أخرج المبتدأ. فإن قلت: هذا ليس بحد صحيح لأنه صادق على الفعل وعلى الفاعل والحرف أيضا. قلت: ليس مراده بالجزء جزء الكلام مطلقا فيلزمه ما ذكرت، وإنما المراد جزء الجملة الاسمية. ويدل على ذلك أمران: أحدهما أن الباب موضوع لها، والثاني تمثيله بقوله: كالله بر والأيادي شاهده فلم يدخل تحت كلامه الفعل والفاعل، ولا الحرف أيضا؛ لأنه لا يكون أحد جزءي الجملة الاسمية. فإن قلت: إخراج المبتدأ بقوله: "المتم الفائدة" غير واضح لأن المبتدأ أيضا يتم الفائدة، فإن الفائدة بهما حصلت. قلت: الخبر هو ثاني الجزءين ولا إشكال في أن ثانيهما هو الذي به تتم الفائدة. وأيضا، فإن الخبر هو المستفاد من الجملة؛ ولذلك كان أصله أن يكون نكرة، ولهذا قال أبو موسى: المبتدأ معتمد البيان والخبر معتمد الفائدة. ثم قال: ومفردا يأتي ويأتي جملة فقسم الخبر إلى قسمين: مفرد وجملة. خلافا لابن السراج في إثباته ثالثا لا مفردا ولا جملة وهو الظرف والجار والمجرور. ثم ذكر حكم الجملة فقال: حاوية معنى الذي سيقت له الذي سبقت له هو المبتدأ، فكأنه قال: حاوية معنى المبتدأ ولم يقيده بالضمير, "فشمل" أربعة أشياء: الضمير نحو: "زيد أبوه قائم"، وقد يحذف إن أمن اللبس نحو: "السمن منوان بدرهم". واسم الإشارة نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. وتكرار لفظ المبتدأ نحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ}. والعموم نحو: فأما القتال لا قتال لديكم..................................... وهذه الروابط المتفق عليها. فإن قلت: قد ذكر ابن عصفور من الروابط المتفق عليها، عطف جملة فيها ضمير بالفاء خاصة كقوله: وإنسان عيني يحسر الماء تارة... فيبدو................................ وعبارة الناظم لا تشمله. قلت: التحقيق أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي للسببية تنزلتا منزلة الشرط والجزاء "واكتفي بضمير واحد في إحداهما كما يكتفى بضمير واحد في جملتي الشرط والجزاء". "فإذا" قلت: "زيد جاء عمرو فأكرمه" فالارتباط يقع بالضمير الذي في الثانية. نص على ذلك ابن أبي الربيع. قال: لأنهما تنزلتا منزلة "زيد "إذا" جاء عمرو أكرمه" فالإخبار إذا إنما هو بمجموعهما، والرابط إنما هو الضمير "والله أعلم". ثم قال: وإن تكن إياه معنى اكتفى... بها.............................. أي: إذا كانت الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى اكتفى "بها" ولم يحتج إلى رابط. ثم مثل بقوله: ....كنطقي الله حسبي وكفى فنطقي: مبتدأ، والله حسبي، جملة أخبر بها عنه ولا رابط فيها؛ لأنها هي نفس المبتدأ في المعنى. ومن ذلك قولهم: "هجيري أبي بكر لا إله إلا الله". وأقول: الذي يظهر -والله أعلم- في هذا ونحوه أنه ليس من الإخبار بالجملة، وإنما هو من الإخبار بالمفرد؛ لأن الجملة في نحو ذلك، إنما قصد لفظها كما قصد حين أخبر "عنها" في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" فليتأمل. ثم انتقل إلى حكم المفرد فقال: والمفرد الجامد فارغ.... الخبر المفرد قسمان: جامد ومشتق. فالجامد فارغ "أي" من الضمير فلا يتحمل ضميرا خلافا للكسائي. وقوله: وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن أي: يتحمل ضميرا يعود على المبتدأ. فإن قلت: هذا البيت غير محرر، وذلك من خمسة أوجه: الأول: أن الجامد ليس فارغا من الضمير مطلقا بل إذا لم يؤول بمشتق فإن أول به "تحمل" الضمير. والثاني: أن قوله: "فارغ" ليس مبينا لمراده، إذ لا يدرى من ماذا. الثالث: أن قوله: "وإن يشتق" ظاهره أن فاعل يشتق ضمير المفرد الموصوف بالجمود، وذلك غير مستقيم. الرابع: "أنه" أطلق أيضا في المشتق، ومن المشتق ما لا يتحمل الضمير كأسماء الآلة والزمان "والمكان". الخامس: أنه أطلق في قوله: "فهو ذو ضمير مستكن" وهو مقيد بألا يرفع ظاهرا، فإن رفع الظاهر لم يتحمل ضميرا نحو "زيد قائم أبوه". قلت: الجواب عن الأول: أن ما أول بالمشتق ينزل منزلته وأعطى حكمه فذكر حكم المشتق يغني عن ذكره في مقام الاختصار. وعن الثاني: أن قوله "في المشتق" "فهو ذو ضمير مستكن" علم منه أن المراد فارغ من الضمير، لأنه مقابله. وعن الثالث: أن الضمير عائد على الموصوف لا يقيد صفته، ولذلك نظائر. وعن الرابع: أن المراد بالمشتق هنا ما ذكره في شرح التسهيل، قال: والمراد بالمشتق هنا ما دل على متصف مصوغًا عن مصدر مستعمل أو مقدر. واسم الزمان والمكان والآلة ليس من هذا المشتق، وهذا اصطلاح. وعن الخامس: أن البيت الآتي يقيده كما سيأتي ثم قال: وأبرزنه مطلقا حيث تلا... ما ليس معناه له محصلا أمر بإبراز الضمير إذا جرى على غير من هو له مطلقًا، أي: سواء خيف اللبس "أم أمن" مثال ما يخاف فيه اللبس "زيد عمرو ضاربه هو" ومثال ما "لا" لبس فيه "زيد هند ضاربها هو". وأجاز الكوفيون استتاره إن أمن اللبس كالمثال الأخير، ووافقهم الناظم في غير هذا الكتاب. ومن منصور جريانه على غير صاحبه: أن يرفع ظاهرا نحو "زيد قائم أبوه" فقائم خبر عن زيد وهو للأب. فيجب في هذه الصورة "أيضا" إبراز الضمير لأنه لا يرفع شيئين ظاهرا، ومضمرا، فالهاء في قوله "أبوه" هو الضمير الذي كان مستكنا، وهذا هو الجواب عن الوجه الخامس. ثم قال: وأخبروا بظرف أو بحرف جر. مثال الظرف "زيد عندك" ومثال حرف الجر مع المجرور "زيد في الدار". واقتصر على ذكر "الحرف" لاستلزامه المجرور، ثم "إن" الظرف والجار والمجرور ليسا "خبرين" في الحقيقة، وإنما الخبر هو العامل فيهما، وأطلق عليهما الخبر لنيابتهما عنه، ولهذا قال: ناوين معنى كائن أو استقر فمن قدر كائنا جعلهما من قبيل الخبر بالمفرد، ومن قدر استقر جعلهما من قبيل "الجملة". والأول: اختيار الناظم، ويرجحه أن أصل الخبر الإفراد. والثاني: قول "أكثر" البصريين، ويرجحه أن الأصل في العمل، إنما هو للفعل. وقد نسب كل منهما إلى سيبويه. فإن قلت: ما فائدة قوله: "معنى كائن أو استقر"؟ قلت: "التنبيه على أن لفظ كائن أو استقر" لا يتعين بل مستقر وثابت وحاصل "ونحوهما" ككائن وكان وثبت وحصل ونحوها كاستقر. وضابط ذلك الكون المطلق. ثم قال: ولا يكون اسم زمان خبرا... عن جثة وإن يفد فأخبرا اسم المكان يخبر به عن الجثة نحو "زيد أمامك" وعن المعنى نحو "العلم أمامك". واسم الزمان يخبر به عن المعنى "الرحيل غدا" ولا يخبر به عن الجثة، لعدم الإفادة، ما لم تقدر إضافة معنى إليها. فيجوز، لأن الإخبار حينئذ، إنما هو في "الحقيقة" عن المعنى المقدر كقولهم "الهلال الليلة" أي: طلوع الهلال. "وإلى هذا" أشار بقوله: "وإن يفد فأخبرا". وذهب بعضهم إلى أن "الهلال الليلة" لا يقدر فيه مضاف محذوف؛ لأن الهلال يشبه اسم المعنى بالحدوث وقتا دون وقت، فأفاد الإخبار عنه، وإليه ذهب في التسهيل، وتقدير المضاف في ذلك مذهب البصريين. وقوله: ولا يجوز الابتدا بالنكره... ما لم تفد............... يعني: أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، لأن الإخبار عن النكرة لا يفيد غالبا. فإن أفاد الإخبار عن النكرة جاز الابتداء بها، ولم يشترط سيبويه في الإخبار عن النكرة إلا حصول الفائدة. وتتبع النحويون مواضع حصول الفائدة، فقالوا: "لا يبتدأ بها" إلا بمسوغ، والمسوغات كثيرة، وهي راجعة إلى شيئين: التخصيص والتعميم. وقد أشار بالمثال إلى ستة منها: الأول: تقديم الخبر وهو ظرف مختص نحو "عند زيد نمرة" أو "مجرور" نحو "في الدار رجل" أو جملة مشتملة على فائدة نحو "قصدك غلامه رجل" ذكره في شرح التسهيل "ولم نره لغيره". والثاني: تقدم استفهام نحو "هل فتى فيكم"؟ والثالث: "تقدم نفي" نحو "ما خل لنا". والرابع: الوصف نحو "رجل من الكرام عندنا". والخامس: العمل نحو "رغبة في الخبر خير". والسادس: الإضافة "نحو عمل بر يزين. ويصح الاستغناء بالعمل عن الإضافة"، لأن المضاف عامل "للجر على الأصح". ولما لم يذكر جميع المسوغات قال: وليقس ما لم يقل والضابط حصول الفائدة. ثم قال: والأصل في الأخبار أن تؤخرا. لأن الخبر وصف في المعنى فحقه أن يتأخر: وجوزوا التقديم إذ لا ضررا مثاله "قولهم" "تميمي أنا" و"مشنوء من يشنؤك". ومنع الكوفيون تقديم الخبر إلا في "نحو" "في داره زيد" وهم محجوجون بالسماع وقوله: فامنعه حين يستوي الجزآن... عرفا ونكرا عادمي بين يعني: أن الخبر يمنع من تقديمه أسباب: وهي خمسة: الأول: أن يستوي الجزآن يعني المبتدأ والخبر في التعريف مثل "صديقي زيد" و"العالم زيد" "أ" وفي التنكير مثل "أفضل منك أفضل مني"، ولا قرينة، فلو علم المخبر به "منهما" بقرينة جاز "التقديم" كقولك "أبو حنيفة أبو يوسف" فأبو حنيفة خبر مقدم، لأن المراد تشبيه أبي يوسف به. والثاني: أن يكون الخبر فعلا يوهم تقديم فاعلية المبتدأ نحو "زيد قام"، فإن لم يوهم نحو "الزيدان قاما" أو "زيد قام أبوه" جاز التقديم، فتقول "قام الزيدان" "وقام أبوه زيد"، لأن إسناد الفعل إلى الضمير أو السببي يعلم منه ابتدائية المتأخر. فإن قلت: تقديم الخبر في نحو "قاما أخواك وقاموا إخوتك" يوهم فاعلية المبتدأ على لغة أكلوني البراغيث. قلت: قال في شرح التسهيل: لا يمنع ذلك من التقديم، لأن تقديم الخبر أكثر من تلك اللغة، والحمل على الأكثر راجح. فإن قلت: أطلق في قوله: كذا إذا ما الفعل كان الخبرا، وهو مقيد بأن "يوهم" فاعلية المبتدأ كما سبق. قلت: كأنه استغنى عن "تقييده بتقييد ما قبله". والثالث: أن يقصد استعمال "المبتدأ" منحصرا في الخبر بإلا نحو "ما زيد إلا كاتب" أو بإنما نحو "إنما زيد كاتب". وتسامح في جعله الخبر محصورا وإنما محصور فيه. وقد ندر تقديم الخبر المقرون بإلا "مقدما" في الضرورة كقول الشاعر: فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى... عليهم وهل إلا عليك المعول أو كان مسندا لذي لام ابتدا... أو لازم الصدر كمن لي منجدا والرابع: أن يكون الخبر مسندا لمبتدأ مقرون بلام الابتداء لاستحقاقها الصدر نحو: "لزيد قائم". وأما قوله: خالي لأنت ومن جرير خاله........................................ فخرج على زيادة اللام أو حذف مبتدأ، أي: لهو أنت. والخامس: أن يكون "الخبر مسندا لمبتدأ" لازم الصدر كاسم الاستفهام، واسم الشرط، والمضاف إلى أحدهما، وضمير الشأن، وكم الخبرية. ومثل الاستفهام بقوله "من لي" وأمثلة البواقي ظاهرة. وقوله "أو لازم الصدر" بالجر عطفا على ذي لام ابتدا، والتقدير أو "اللازم للصدر". ثم قال: ونحو عندي درهم ولي وطر... ملتزم فيه تقدم الخبر يعني: أن الخبر قد يلزم تقديمه لأسباب: الأول: أن يكون تقديمه مسوغا للابتداء "بالنكرة" نحو "عندي درهم ولي وطر" فمثل بالظرف والجار والمجرور. وزاد في شرح التسهيل الجملة نحو "قصدك غلامه رجل" كما تقدم. والثاني: أن يعود على الخبر ضمير من المبتدأ في نحو "في الدار ساكنها" إذ لو تأخر لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة. "وتقدير" كلامه "أنه" يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه. يعني: على الخبر ضمير من الشيء الذي يخبر "بالخبر" عنه. يعني: من المبتدأ, ودعاه إلى هذه العبارة المشتملة على هذا التعقيد ضيق النظم. فإن قلت: الضمير في قولك "في الدار ساكنها" أليس عائدا على الخبر؟ لأن الخبر ليس هو المجرور وحده فكان ينبغي أن يقول: كذا إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على ما التبس بالخبر أو على شيء في الخبر أو نحو ذلك. قلت: ما التبس بالخبر "تنزل" منزلة جزئه فلذلك اكتفى بذكر الخبر. والثالث: أن يكون مستوجبا للصدر نحو "أين من علمته"؟ و"كيف زيد؟"، فإن الاستفهام له صدر الكلام. والرابع: أن يكون المبتدأ "محصورا" بإلا نحو "ما لنا إلا اتباع أحمد" صلى الله عليه وسلم. "أو معناها" وهو "إنما" نحو "إنما قام زيد" وقوله: وحذف ما يعلم جائز... يعني: أنه جوز حذف كل من المبتدأ والخبر إذا علم. مثال حذف الخبر "زيد" في جواب "من عندكما"؟ والتقدير: زيد عندنا. فلو كان المجاب به نكرة نحو "درهم" ففي شرح التسهيل أن الخبر يقدر بعده قال: ولا يجوز أن يكون التقدير: "عندي درهم" إلا على ضعف. ومثال حذف المبتدأ "دنف" في جواب "كيف زيد؟" أي: هو دنف, "أي: مريض" فحذف المبتدأ للعلم به. فإن قلت: ظاهر قوله: فزيد استغنى عنه إذ عرف أن المقدر هو الاسم الظاهر لا ضميره، والذي جرت به عادة النحويين في ذلك أن يقدروا الضمير. قلت: تقديره بالظاهر هو الأصل، وإنما قدره النحاة "بالضمير" لئلا يتوهم المغايرة. وقوله: وبعد لولا غالبا حذف الخبر... حتم............................ الأول: بعد "لولا" إذا كان كونا مطلقا "وهو" الغالب نحو "لولا زيد لأكرمتك" أي: لولا زيد كائن أو موجود. فإن كان خاصا ولا دليل عليه وجب إثباته. قال المصنف: كقوله عليه الصلاة والسلام: "لولا قومك حديثو عهد بجاهلية "لأقمت البيت""،. وإن كان خاصا وله دليل جاز إثباته وحذفه نحو "لولا أنصار زيد حموه لم ينج". ومنه قول المعري: ..................................... فلولا الغمد يمسكه لسالا وإلى هذا التفصيل أشار بقوله "غالبا" وهو مذهب الرماني وابن الشجري و"الشلوبين" ومذهب الجمهور: أن الخبر بعد "لولا" واجب الحذف مطلقا بناء على أنه لا يكون إلا كونا مطلقا، وإذا أريد الكون الخاص "جعل مبتدأ" قيل: "لولا قيل زيد لأتيتك" فجعل مبتدأ، ولذلك لحنوا المعريَّ في قوله: "فلولا الغمد يمسكه", وحاصل مذهبهم منع الإخبار بالخاص بعد لولا، وتأول ابن أبي الربيع قوله: في الحديث: ""لولا" قومك حديث عهد بكفر لأقمت البيت". على أن "حديث عهد" مبتدأ وخبر وهي جملة مقدمة من تأخير، والتقدير: لولا قومك "لأ" قمت البيت على قواعد إبراهيم, ثم قال عهدهم بالكفر حديث. قال: على أن هذه الرواية لم أرها من طريق صحيح، والروايات "المشهورات" في ذلك "لولا حدثان قومك، ولولا حداثة قومك، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية" ونحو ذلك. والثاني: بعد مبتدأ هو نص في القسم نحو "لعمرك لأفعلنَّ" أي لعمرك قسمي، وسد الجواب مسده. والثالث: "بعد "واو" مع "الناصة على المعية" نحو كل صانع "وما صنع" أي مقرونان خلافا لمن لم يقدر في "نحو" هذا خبرا. والرابع: قبل حال لا يصلح جعلها خبرا عن المبتدأ المذكور. وشرط ذلك: أن يكون المبتدأ مصدرا عاملا في مفسر صاحب الحال نحو "ضربي العبدَ مسيئا" فمسيئا حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف, وذلك الضمير يعود على العبد، وهو معمول للمصدر. والتقدير عند سيبويه إذا كان مسيئا، فالمصدر إذا عامل في العبد "الذي هو" مفسر صاحبها. أو يكون المبتدأ مضافا إلى المصدر إضافة بعض لكل أو كل لجميع نحو "أكثر ضربي زيدا قائما" أو "كل ضربي زيدا قائما"و "أقل شربي السويق ملتوتا"، "وبعض ضربي زيدا قائما". والغرض أن يكون المضاف مصدرا في المعنى، ولا يختص ذلك بأفعل التفضيل. وإلى هذا أشار بقوله: .............................. وأتم... تبييني الحق منوطا بالحكم والتقدير: إذا كان منوطا، وإن أردت الماضي قدرت إذ كان، هذا مذهب سيبويه، وكان المقدرة تامة. فإن قلت: فهلا كانت ناقصة والمنصوب خبر؛ لأن حذف الناقصة أكثر؟ قلت: منع ذلك أمران: التزام تنكيره ووقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كقول الشاعر: خير اقترابي من المولى حليف رضا... وشر بعدي عنه وهو غضبان وذهب الأخفش إلى أن الخبر المحذوف مصدر مضاف إلى ضمير صاحبها، والتقدير: ضربي زيدا ضربه قائما، واختاره في التسهيل، ولم يتعرض هنا لمواضع وجوب حذف المبتدأ. وذكر في غير هذا "الكتاب" أربعة مواضع: الأول: ما أخبر عنه بنعت مقطوع. والثاني: ما أخبر عنه بمخصوص نعم. والثالث: ما أخبر عنه بمصدر بدلا من اللفظ بفعله نحو: "سمع وطاعة". والرابع: ما أخبر عنه بصريح في القسم كقولهم: "في ذمتي لأفعلنَّ"،. وقد ذكر الأولين في هذا النظم في موضعهما. وقوله: وأخبروا باثنين أو بأكثرا... عن واحد................. يعني "عن غير" متعدد وذلك شامل لصورتين: إحداهما: متفق على جوازها "وهي" أن يتعدد الخبر لفظا ويتحدد معنى نحو: "الرمان" حلو حامض، ولا يجوز "فيها" العطف خلافا لأبي عليّ. والأخرى: مختلف فيها "وهي" أن يتعدد لفظا ومعنى، نحو: "هم سراة شعرا". والصحيح جوازها بعطف وبغير عطف، خلافا لمن منعها بغير عطف. وأما "إذا" تعدد الخبر لتعدد ما هو له حقيقة "أ" وحكما فلا بد من العطف نحو: بنوك فقيه وكاتب وشاعر. ومثال الحكم قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ...} إلخ.
|